سورة الرحمن - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)}
{أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى الميزان} أي لئلا تطغوا فيه أي حقه وشأنه بأن تعتدوا وتتجاوزوا ما ينبغي فيه على أن {ءانٍ} ناصبة و{لا} نافية ولام العلة مقدرة متعلقة بقوله تعالى: {وُضِعَ الميزان} [الرحمن: 7] وجوز ابن عطية. والزمخشري كون {ءانٍ} تفسيرية، و{لا} ناهية.
واعترضه أبو حيان بأنه لم يتقدم جملة فيها معنى القول وهو شرط في صحة جعل {ءانٍ} مفسرة، وأجيب بأن وضع الميزان فيه ذلك لأنه بالوحي وإعلام الرسل عليهم السلام، وزعم بعضهم أن التفسير متعين لأنه لا معنى لوضع الميزان لئلا تطغوا في الميزان إذ المناسب الموزون ونحوه، وفيه ما لا يخفى، وفي البحر قرأ إبراهيم {وَوَضَعَ الميزان} بإسكان الضاد، وخفض الميزان على أن {وُضِعَ} مصدر مضاف إلى ما بعده ولم يبين هل {وُضِعَ} مرفوع أو منصوب، فإن كان مرفوعًا فالظاهر أنه مبتدأ {وَأَن لاَّ تَطْغَوْاْ} بتقدير الجار في موضع الخبر. وإن كان منصوبًا فالظاهر أن عامله مقدر أي وفعل {وُضِعَ الميزان} أو ووضع وضع الميزان {أَن لا تَطْغَوْاْ} الخ، وقرأ عبد الله لا تطغوا بغير {ءانٍ} على إرادة القول أي قائلًا، أو نحوه لأقل كما قيل و{لا} ناهية بدليل الجزم.


{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)}
{وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} قوموا وزنكم بالعدل، وقال الراغب: هذا إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال، وعن مجاهد أن المعنى أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ والإعطاء، وقال سفيان بن عيينة: الإقامة باليد، والقسط بالقلب، والظاهر أن الجملة عطف على الجملة المنفية قبلها ولا يضر في ذلك كونها إنشائية، وتلك خبرية لأنها لتأويلها بالمفرد تجردت عن معنى الطلب، وجعل بعضهم {لا} في الأولى مطلقًا ناهية حرصًا على التوافق {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} أي لا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه وكرر لفظ {الميزان} بدون إضماره كما هو مقتضى الظاهر تشديدًا للتوصية وتأكيدًا للأمر باستعماله والحث عليه، بل في الجمل الثلاث تكرار مّا معنى لذلك، وقرئ {وَلاَ تُخْسِرُواْ} بفتح التاء وضم السين، وقرأ زيد بن علي. وبلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين.
وحكى ابن جني. وصاحب اللوامح عن بلال أنه قرأ بفتحهما، وخرّج ذلك الزمخشري على أن الأصل ولا تخسروا في الميزان فحذف الجار، وأوصل الفعل بناءًا على أنه لم يجىء إلا لازمًا، وتعقبه أبو حيان بأن خسر قد جاء متعديًا كقوله تعالى: {خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} [الأنعام: 12] {وَخَسِرَ الدنيا والاخرة} [الحج: 11] فلا حاجة إلى دعوى الحذف والإيصال، وأجيب بأنه على تقدير أن يكون متعديًا هنا لابد من القول بالحذف والإيصال لأن المعنى على حذف المفعول به أي لا تخسروا أنفسكم في الميزان أي لا تكونوا خاسريها يوم القيامة بسبب الميزان بأن لا تراعوا ما ينبغي فيه، والراغب جوز حمل الآية على القراءة المشهورة على نحو هذا فقال: إن قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} يجوز أن يكون إشارة إلى تحري العدالة في الوزن وترك الحيف فيما يعاطاه فيه، ويجوز أن يكون إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به في القيامة خاسرًا فيكون ممن قال سبحانه فيه: {مَنْ خَفَّتْ موازينه} [القارعة: 8] وكلا المعنيين متلازمان، وقيل: المعنى على التعدي بتقدير مضاف أي موزون الميزان، أو جعل الميزان مجازًا عن الموزون فيه فتأمل ولا تغفل.


{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)}
{والارض وَضَعَهَا} خلقها موضوعة مخفوضة عن السماء حسا يشاهد، وقال الراغب: الوضع هنا الإيجاد والخلق وكأن مراده ما ذكر، وقيل: أي خفضها مدحوّة على الماء، والظاهر على تقدير اعتبار الدحو أنه لا حاجة إلى اعتبار أنه سبحانه خلقها كذلك بل لا يصح لأنها لم تخلق مدحوّة وإنما دحيت بعد على ما روي عن ابن عباس، ثم إن كونها على الماء مبني على ما اشتهر أنه عز وجل خلق الماء قبلها وخلقها سبحانه من زبده {لِلاْنَامِ} قال ابن عباس. وقتادة. وابن زيد. والشعبي. ومجاهد على ما في مجمع البحرين: الحيوان كله، وقال الحسن: الإنس والجن.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس هم بنو آدم فقط ولم أر هذا التخصيص لغيره رضي الله تعالى عنه، ففي القاموس الأنام الخلق أو الجن والإنس، أو جميع ما على وجه الأرض، ويحتمل أنه أراد أن المراد به هنا ذلك بناءًا على أن اللام للانتفاع وأنه محمول على الانتفاع التام وهو للإنس أتم منه لغيرهم، والأولى عندي ما حكى عنه أولًا، وقرأ أبو السمال {والارض} بالرفع، وقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8